المثقف السوري وخدعة المواقف الأخلاقية للدول المشاركة في الحرب على سورية


تعد المعارف السياسية واحدة من أشكال المعارف الإنسانية التي تأخذ بالتشكل والنمو في سياق الشروط الموضوعية المحيطة بها، وهي نتاج لتفاعل العوامل الذاتية للفاعلين مع الشروط الموضوعية المحيطة بهم، ويمكن أن تتغير طرق إنتاج المعرفة السياسية بالنسبة للمفكر السياسي الواحد، أو بالنسبة لمجموعة من المفكرين السياسيين تبعا لطبيعة التفاعل المشار إليه بين العوامل الذاتية والعوامل الموضوعية.

وفي الوقت الذي يلاحظ فيه أن طرق انتاج المعارف السياسية في سورية اختلفت كثيرا خلال فترة الحرب منذ عالم 2011 من مفكر سياسي إلى آخر، ومن تيار سياسي إلى تيار سياسي غيره، يلاحظ أيضا أن العوامل الموضوعية، الاجتماعية منها والاقتصادية والسياسية كانت مؤثرة أيضا في طرق التفكير وطرق إنتاج المعرفة، ولكن بدرجات مختلفة ومستويات متباعدة، وتجلى ذلك بوضوح في مسارات الخطاب السياسي للقوى السياسية الفاعلة.
وتأتي المواقف السياسية للمثقفين السوريين من حالة الحرب التي تعيشها سورية منسجمة مع تصوراهم للدور المنوط بهم في معالجة الأزمة ومظاهرها والعوامل المؤدية إليها، ففي الوقت الذي وجد فيه الكثير منهم طريقه المناسب وطريقه الوطني إنما هو في الوقوف إلى جانب الحكومة السورية والتضامن معها بما يحمله هذا الموقف من نتائج تمسه على المستوى الشخصي والمهني والاجتماعي، يلاحظ فيه أيضا أن فريقا آخر وجد طريقه المناسب في معالجة تداعيات الحرب من خلال التحالف الصريح أو الضمني مع الولايات المتحدة الأمريكية ومنظومة الدول المولية لها في المنطقة العربية، بصرف النظر عما يترتب على هذه التحالفات من أضرار تمس بنية المجتمع السوري.
أولا.    مظاهر عمليتي الاغتراب والاستقطاب الاجتماعي والسياسي للمثقفين السوريين.
يلاحظ أن التصورات التي اعتمد عليها المثقفون السوريون في مواقفهم من الحرب على بلادهم جاءت متباينة بينهم إلى حد التضارب والتنافر في كلياتها وأجزائها، وفي مبادئها الأساسية وتطبيقاتها المتنوعة، فاختزل بعضهم أسباب الحرب وتطوراتها اللاحقة طيلة السبع سنوات، كما صورتها القوى السياسية الغربية نفسها، بجملة من التصرفات الطائشة التي أقدم عليها بعض المسؤولين الحكوميين، كما يصورون ذلك، دون أن يكون لديهم الإحساس بأية مسؤولية أخلاقية أو وطنية، فكانت التداعيات اللاحقة لهذه التصرفات أكبر من العوامل التي أدت إليها، كما يصور ذلك أصحاب هذا التوجه، خاصة وأن الدولة السورية لم تتخذ أي إجراء قانوني بحق من أقدموا على هذه الممارسات الطائشة، مما أفقد الدولة قدرتها على التحكم بالمشكلة فيما بعد، وكانت النتيجة هذه الحرب، كما يرون.
وعلى طرف آخر يجد عدد آخر من المثقفين السوريين، وحتى الكثير من المفكرين العرب أن الحرب في سورية إنما هي حلقة أساسية من حلقات الصراع العربي الصهيوني الذي تعيشه المنطقة العربية منذ بدايات القرن العشرين، ومنذ وعد بلفور عام 1917، والسعي لإقامة دولة الاحتلال الإسرائيلي في المنطقة العربية، ولا يمكن من منظور هؤلاء فصل هذه الحلقة عن إجمالي السلسلة التي تتوالى أحداثها منذ ذلك التاريخ، بدلالة أن أبطالها والرموز المشاركة فيها هي نفسها، تتغير أشكالهم وأسماؤهم وألوانهم ولكن الجهات الفاعلة لم تتغير، وتتمثل في قوى التحالف الغربي الذي يستهدف المنطقة العربية بوصفها منطقة استراتيجية ذات شأن كبير في مستقبل الصراع الاقتصادي والسياسي بين الغرب والشرق.
وبين هذين التصورين للأزمة، وعلى ما بينهما من تباعد واتساع في الفجوة، تظهر تصورات أخرى تقترب من هذه الرؤية تارة، وتقترب من تلك تارة أخرى، وتمزج بين الرؤيتين تارة ثالثة، وفي إطار كل رؤية يحاول أصحابها ترتيب العوامل التي أدت إلى الأزمة بما يتوافق مع المكونات الأساسية لهذه الرؤية، ويرتبون عليها نتائجها أيضا، وتوقعاتهم المستقبلية، وفي الوقت الذي يعتقد فيه أصحاب كل رؤية باستقلاليتهم الفكرية واعتمادهم على المبادئ الوطنية أو الدينية التي تحقق مصلحة بلادهم وفق مبادئهم المستقرة في وعيهم، ويجدون غيرهم مجرد اتباع للقوى السياسية والاجتماعية المعادية لبلادهم، ودمى تحركها تلك القوى لما يخدم مصالحها.
وعلى الرغم من تنوع الرؤى والتفسيرات التي يجتهد المثقفون السوريون أنفسهم في عرضها ومناقشتها في سياق تسويغهم لمواقفهم السياسية عبر وسائل الاتصال المختلفة، التي تمولها وتدعمها وتروجها القوى السياسية التي استقطبتهم في مداراتها، فإن هذه الرؤى بحد ذاتها والتفسيرات التي يقدمونها هي جوهر المشكلة التي ينبغي الوقوف عندها، مما يدعو إلى ضرورة التمييز بين المسألة السورية في أبعادها المحلية والإقليمية والدولية، كما هي في الواقع السياسي والاجتماعي والاقتصادي من جهة، وبين المسألة ذاتها كما يدركها المثقفون السوريون، وينظرون إليها من جهة ثانية، فثمة بون شاسع بين المشكلتين يتجلى في سيطرة الاعتقاد لدى المثقفين السوريين بأن رؤاهم وتحليلاتهم لأزمة بلادهم، إنما هي مطابقة تماما لما هي عليه في واقعها الاجتماعي والاقتصادي والسياسي، ولما هي عليه على المستوى الدولي، فتتجلى مظاهر اغتراب المثقف السوري عن واقعه في تفسيراته للمشكلة التي لم تنفصل لحظة من اللحظات عن تفسيرات القوى السياسية التي استقطبته في مداراتها وجعلته جزءا من مكوناتها، حتى صار مدافعا شرسا عن مصالحها دون النظر إلى مصالح مجتمعه الذي منحه هويته وشخصيته من قبل.
والمشكلة أن كل تيار من التيارين سرعان ما أخذ يعمل على إنتاج المعرفة السياسية، وإعادة إنتاجها بطريقة مختلفة تماما، فمن وجدوا أنفسهم إلى جانب الدولة في سورية، سواء كانوا من السوريين أنفسهم أو من المفكرين العرب، اندفعوا إلى تحليل الوقائع السياسية خلال فترة الحرب في سياق ارتباطاتها الدولية والإقليمية، بما في ذلك قضايا الصراع العربي الصهيوني، ذلك أن مواقف الولايات المتحدة الأمريكية، التي تعد مركز الثقل في معاداتها للحكومية السورية جاءت محكومة بثلاث أطر لا يمكن التحرر منها، فجاءت هذه المواقف في سياق تصوراتها لمصاحها الحيوية في المنطقة العربية عموما أولاً، وفي سياق تصوراتها لمصالحها المستقبلية المرتبطة بالصراعات الدولية الأوسع ثانيا، وفي سياق تصوراتها لحماية دولة الاحتلال الإسرائيلي وتعزيز أمنها العسكري والاقتصادي والسياسي ثالثا، بعد أن كانت هذه على حافة الانهيار في حرب تموز عام 2006، والملاحظ أن أصحاب هذا التيار يجعلون من المشكلات الداخلية، والقضايا المتعلقة بالفساد والمعاناة اليومية للمواطنين السورين، عوامل ثانوية، كان لها تأثير في تداعيات الحرب، ولكن ليس لها أي دور في إنتاج عوامل الحرب التي كانت في مجملها عوامل مرتبط بالصراعات الدولية وبالصراع العربي الصهيوني بالدرجة الأولى.
وعلى طرف آخر، كانت القوى الاجتماعية والسياسية التي وجدت نفسها إلى جانب الولايات المتحدة الأمريكية في مواقفها من الحكومة السورية تعمل على إنتاج المعارف السياسية والتصورات الفكرية التي تجعل من الحكومة السورية، وكأنها القوة المعادية لشعبها، المنفصلة عن بيئتها العربية، والتي تحمل في مضامينها كل أشكال الطائفية وحب الاستحواذ والسيطرة، ويوكد أصحاب هذا التيار أن المشكلة في جوهرها إنما هي مشكلة الفساد المستشري في الدولة، ومظاهر الطائفية التي يمارسها بعض المتنفذين، ومظاهر الفقر، وغياب المشاريع التنموية، وغير ذلك من المشكلات التي يعاني منها المجتمع السوري، كما يصورنها، ويجتهدون في إنتاج المعرفة السياسية بما يتوافق مع تصوراتهم هذه، أما مصالح القوى السياسية الدولية والصراعات الإقليمية، وقضية الصراع العربي الصهيوني والأطر السياسية الثلاث المحددة لموقف الولايات المتحدة فهي غير مدرجة في دائرة الوعي السياسي لأصحاب هذا الفريق، مما كان يدفع بهم إلى إنتاج معارفهم السياسية، وإعادة إنتاجها  بمعزل تماما عن السياقات الزمانية والمكانية للحرب، وللعوامل التي أدت إليها على المستويين الإقليمي والدولي.
وتحمل عملية انتقاء الوقائع السياسية وترتيبها بما يتوافق مع بناء معرفة محددة المعالم أو إعادة إنتاج معرفة تخدم أغراض سياسية أو اجتماعية أو دينية دلالات على ظاهرة الاغتراب التي يعيشها هذا المفكر السياسي أو ذاك، والتي تجعل عمليات الانتقاء والاختيار مبنية على التوجه السياسي أكثر من كونها تحليل علمي للعلاقة بين مكونات الواقع السياسي، وبالتالي فإن بناء منظومات المعارف السياسية إنما يأتي نتاجا لتفاعل الخصائص الذاتية للمفكرين السياسيين من جهة مع الشروط الموضوعية المحيطة بهم من جهة ثانية.
ويأتي تأثير الاغتراب في بناء أنماط المعرفة السياسية، ذات الصلة بالتجربة السورية، وبالأحداث التي شهدتها سورية خلال فترة الحرب نتيجة التفاعل بين عاملين أساسيين، يرتبط الأول بالعامل الذاتي المتعلق بمنتجي المعرفة السياسية أنفسهم من جهة، وبالشروط الموضوعية المحيطة بهم من جهة ثانية.
فمن حيث العامل الذاتي، وكما هو متداول في الدراسات النفسية، يتوزع الناس دائما، بحسب مظاهر الفروق الفردية بين أفراد يتمتعون بمستويات عالية في مجالهم الإدراكي، ومستويات متميزة في تفكيرهم العقلاني، وأفراد يتصفون بمستويات إدراكية أضعف، وقدرات عقلية محدودة، بالإضافة إلى مجموعات من الناس تقع في مستويات إدراكها، وقدراتها العقلية بين الحدين المشار إليها، ويمكن تصور كل أفراد المجتمع وهم مبعثرين ومشتتين للوهلة الأولى، ويتمايزون عن بعضهم بمستويات إدراكهم، وفي مستويات قدراتهم العقلية، كما يتمايزون بقدراتهم البصرية والسمعية والذوقية وغير ذلك من الصفات، وعلى الرغم من تنوع مستويات الإدراك، ومستويات العمليات العقلية بين الأفراد، غير القليل منهم يعترف بمواطن الضعف في شخصيته، ولا يعترف إلا بما هو مادي من مواطن الضعف.
غير أن هذا التوزع العشوائي للأفراد سرعان ما ينتظم في تيارات وأقسام تبعا لاعتبارات نفسية واجتماعية وتاريخية ودينية وثقافية متنوعة، وسرعان ما ينقسم الناس في تيارات متناقضة في مواقفهم من القضايا التي يأخذون بمعالجتها، وخاصة مواقفهم من مؤسسات الدولة نفسها، حيث يجد كل واحد منهم نفسه منجذبا لهذا الموقف أو ذاك تبعا لمستويات القوة الاجتماعية التي يتمتع بها هذا التيار أو ذاك، وما أن تتغير مصادر القوة، حتى تتغير المواقف أيضا، ودلالة ذلك أنه عندما شعر الكثير من المثقفين أن الدول الغربية، وفي مقدمتها الولايات المتحدة عازمة على تغيير النظام السياسي في سورية، سرعان ما التحقوا بها، وبات مواقفهم جزءا لا يتجزأ من أدوات السياسية لدى متخذي القرار في الولايات المتحدة نفسها، وعندما ظهرت ملامح الاستقرار السياسي في سورية، وأن الحرب لم تكن قادرة تغيير معالم الدولة فيها سرعان ما تراجعت ظاهرة الانشقاق التي جذبت الكثيرين في البدايات الأولى، فالقوة الاجتماعية والسياسية قادرة على جذب التيارات الأضعف، وقادرة على استقطاب من يجدون أنفسهم بحاجة إليها، والارتباط بها، وأنهم في غنى عن عدائهم لها.
غير أن معايير القوة، وضمان المصالح لا تسهم بشكل مباشر في مواقف المثقفين إلا من خلال وعيهم لها، وثمة فرق كبير بين أن يكون انجذابه لمصالحه كما هي في الواقع، وبين انجذابه لمصالحه كما يدركها في وعيه ووجدانه ومستويات معرفته، كما أن هناك ثمة فرق حقيقي بين أن ينجذب المثقف للقوة الاجتماعية التي يعتقد أنها الأقوى والأكثر سيطرة، وبين أن ينجذب إلى القوة الاجتماعية الأكثر سيطرة بالفعل.
والمشكلة في هذا السياق ليست في المصالح بذاتها، إنما في إدراك الفرد لهذه المصالح، فإذا ما كانت عوامل تكوين هذا الإدراك مشوهة، ولا تعكس حقيقة المصالح في ذاتها، وهي الحالة التي يمكن تسميتها بحالة الاغتراب، فإن اندفاع الفرد إلى التضامن مع هذه القوة أو تلك إنما يأتي من فهم مشوه، ومن وعي مغلوط لمصالحة، وليس من مصالحه في ذاتها، وقد ظهر ذلك في التحليل السياسي لمجموعات من المفكرين السياسيين الذين وجدوا مصالحهم في التضامن مع الولايات المتحدة، اعتقادا منهم أنهم قادرين بهذه المواقف على ضمان مصالحهم المستقبلية، ومصالح دولتهم الأم، كما كانوا يتصورون.
كما ظهر أيضا في التحليلات السياسية لبعض من وجدوا مصالحهم في الارتباط بمؤسسات الدولة وهم يضمرون عداءهم لها، ويمارسون مظاهر الفساد بأشكال مختلفة، فاتخذوا من حيث الشكل مواقفهم معها وهم بمشاعرهم وأحاسيسهم على توافق مع أعداء دولتهم اعتقادا منهم أن في ذلك ضمانة لمصالحهم على المدى القريب، والمدى البعيد في الوقت نفسه، وكان لمجموع هؤلاء دورا مخربا لدولتهم ومجتمعهم لا يقل في خطورته عن مواقف سابقيهم، وإن لم يكن تضامنهم مع الولايات المتحدة صريحا وواضحا من حيث مقدماته، لكنهم ساهموا فيما كانت تسعى الولايات المتحدة إليه من حيث النتائج التي ترتبت على أفعالهم.
ولكن الطرفين معا لم يكونا على معرفة كافية بأنهم يعيشون حالة من الاغتراب، وأنهم ينتجون بأيديهم مشكلاتهم اللاحقة، ويساهمون في تخريب مؤسسات بلدهم، ويسهمون أيضا في تحقيق ما عجرت عن تحقيقه دولة الاحتلال الإسرائيلي منذ أن نشأت برعاية الولايات المتحدة الأمريكية، ودول التحالف الغربي عام 1948، وحتى بدايات الحرب.
ولا ينطوي مفهوما الاغتراب والاستقطاب بالمعنى المستخدم في هذه الدراسة على أية ابعاد وجدانية أو أخلاقية بالضرورة، فهما يجسدان عمليتين أساسيتين في حياة الفرد، يندفع إليهما بوعي منه تارة وبدون وعي تارات أخرى، كما أنهما يعكسان المحتوى المعرفي لمجاله الإدراكي، ولمستوى هذا المجال، وإذا كانت ملامح الشخصية عند المثقف تزداد وضوحا مع نمو معارفه من حيث اتساعها ونوعيتها فإن هذا النمو يظهر جليا وواضحا أيضا في قراراته الاجتماعية والسياسية والاقتصادية وفي مواقفه من القضايا التي تحيط به، وفي تفسيراته لهذه القضايا وأبعادها، وفي رؤيته لما يترتب على مواقفه من نتائج تمسه على المستوى الفردي والاجتماعي وتمس غيره على المستويات المختلفة.
وتحمل مواقف عدد من المثقفين السوريين من الحرب التي تشهدها بلادهم معاني عديدة ودلالات مختلفة، فعلى الرغم من أن بينهم الشعراء والأدباء والأطباء والفنانين والمختصين في ميادين مختلفة من العلم، بالإضافة إلى رجال دين يستقطبون حولهم جمهور غفير من الناس، غير أن ما فرق هؤلاء كان أكبر مما جمعهم، ففي الوقت الذي استطاع فيه بعضهم السيطرة على جزء من الرأي العام، ونال ثقة المعجبين به، وبأفكاره، ومؤلفاته، وخطبه عندما استخدم مشاعر الناس وأحاسيسهم وعواطفهم، وجعل منها سلعة لاستقطابهم، وخاصة ما ارتبط منها بحياتهم اليومية، كان هؤلاء بحد ذاتهم، وبدون وعي منهم، خاضعين لعمليات استقطاب مبرمجة في دوائر سياسية أوسع من دائرة تفكيرهم، فجردتهم، من حيث لا يعلمون، من انتماءهم الوطني، وحتى من انتماءاتهم العقائدية، ودفعت بهم إلى البحث عن ولاءات ظنوا أنها الأفضل، بدافع الانبهار والاستقطاب، ولكنها في الواقع كانت بمثابة العمل الحقيقي لبعثرتهم والتفريق بينهم حتى تلاشى دورهم بين تناقضاتهم وولاءاتهم الجديدة التي صنعتها لهم القوى السياسية الفاعلة في المنطقة العربية، ولم يعودوا يشكلون الأدوات المناسبة لإعادة تقسيم المنطقة وفق مصالح القوى السياسية الفاعلة فحسب، بل أصبحوا أدوات طيعة لتفتيت بنية مجتمعهم إلى أقصى ما يمكن  تفتيته، وأصبحوا عاملاً أساسيا من عوامل ضعف دولتهم وعقيدتهم ومبادئهم التي يظنون أنهم يدافعون عنها، وعاملا إضافيا من عوامل القوة لأعدائهم وأعداء بلادهم.
ثانيا.   المثقف السوري وخدعة المواقف الأخلاقية للدول المعنية بالحرب.
مازال عدد من المثقفين السوريين يسبغ الطابع الأخلاقي والإنساني على بعض الموقف الدولية المتناقضة من المسألة السورية، مما يدلل على مستوى حجم ظاهرة الاغتراب التي يعيشها المثقف السوري، وغياب وعيه بالأخطار التي تهدد بلاده، وتظهر دلالة ذلك في انجرافه مع التيارات السياسية والاجتماعية التي تشارك في الحرب على سورية، حتى أصبح الكثيرون منهم جزءا لا يتجزأ من هذه الحرب، ويسهمون فيها بدرجة تزيد على مساهمة الدول صاحبة المصالح الحقيقية في هذه الحرب.
إن انتماء الفرد لأية جماعة، قومية كانت أو وطنية أو دينية أو قبلية أو طائفية وغيرها، هو شعور  ينتجه التفاعل بين بعدين أساسيين، هما قوة الرأي العام بالنسبة إليه، ومقدار نفوذه في شخصيته من جهة، ومقدار وعي الفرد بالأخطار التي تهدده وتهدد الجماعة التي ينتمي إليها من جهة ثانية، أما قوة الرأي العام فتظهر جلية وواضحة فيما تمليه وسائل الاتصال الحديثة، والمواقف السياسية المختلفة للدول ذات المصلحة، من توجهات وأفكار تعزز مظاهر التناقض أو الترابط بين مكونات المجتمع تبعا لمصالح القوى السياسية الفاعلة، فتأتي ممارسات هذه القوى من تقريب لبعض قادة الرأي، أو إبعاد لبعضهم الآخر منسجمة مع ما تبثه وسائل الاتصال من اتجاهات ورؤى سياسية في مضمونها، الأمر الذي يجعل مراكز الاستقطاب الاجتماعي والسياسي شديدة التأثير في قطاعات كبيرة من الناس، وخاصة بين ضعاف النفوس من طلبة المنافع والساعين للحصول على المكاسب بأية طريقة من الطرق، فينجرفون في تياراتهاـ ويتجاوبون مع متطلباتها، فيرددون ما ينبغي عليهم أن يرددوه، ويتخذون من المواقف ما يملى عليهم من القوى السياسية الحاضنة لهم، حتى يصبحوا جزءا منها، ولكنه ليس بالجزء العضوي بحكم أن قوته في ولائه لها، وليس في انتمائه إليها، ويؤدون وظيفة حيوية بالنسبة إليها، ومع ذلك فهم يشكلون الجزء الأضعف الذي يمكن التخلي عنه في أية شروط مناسبة توجبها مصالح القوى السياسية التي تستقطبتهم في مداراتها، ويظنون أنهم باتوا جزءا عضويا منها.
وعلى طرف آخر، يمكن للأفراد ممن يتصفون بمستويات عالية من الوعي والمعرفة أن يتنبهوا للأخطار التي تهدد بلادهم ومجتمعاتهم، مما يدفع بهم إلى تعميق انتمائهم لها، من خلال ما يقومون به من ممارسات وأعمال تسهم على نحو من الأنحاء في دفع الأذى عن بلادهم، وعن الجماعات التي ينتمون إليها، وقد يدفعهم وعيهم بهذه الأخطار إلى مستوى التضحية والاستشهاد من أجلها، اعتقادا منهم أن ما يعود من منافع على أوطانهم من تضحياتهم هذه سوف يجدها أبناؤهم في المستقبل ويقطفون ثمارها.
وتظهر المشكلة الأكثر خطورة عندما يتمثل ذوي النفوس الضعيفة من طلبة المنافع والمناصب والشهرة من مثقفين ورجال دين وأدباء ومفكرين مصالح الآخرين في وعيهم ويدافعون عنها لارتباطها الشديد بمصالحهم الضيقة، فتصبح ولاءاتهم للقوى السياسية التي تحتضنهم وتمدهم بشروط استمراريتهم أقوى من انتماءاتهم الوطنية، فيسهمون من حيث لا يشعرون في انتشار مظاهر مختلفة من الولاءات الاجتماعية التي تسهم بدورها في بعثرة وحدة أوطانهم وإضعاف بنيتها إلى جانب الأخطار التي كانت تهددها من قبل، وعلى الرغم ذلك تجد الرموز الاجتماعية للولاءات الجديدة نفسها معنية بالشكر والعرفان لتلك القوى التي صنعتها، ومنحتها من المواقع ما كانت عاجزة عن تحقيقه من قبل.
ويتجلى ذلك بأوضح صورة له في المسألة السورية الراهنة، فيلاحظ في هذا السياق، وبعد مضي قرابة تسع سنوات على الحرب، مازال العدد الكبير من اتباع تيارات المعارضة المختلفة، وأعداد أخرى من المؤيدين للدولة يعتقدون أن مواقف الدول الأجنبية من بلادهم (وينطبق ذلك على الروس والإيرانيين والسعوديين والأتراك والفرنسيين وحتى الأمريكيين)، إنما جاءت لاعتبارات أخلاقية وإنسانية تستحق الشكر والعرفان، حتى ظهر ذلك على لسان العديد من المعارضين السوريين فيما يتعلق بالدعم الذي تقدمه دولة الاحتلال الإسرائيلي لهم، مما يوجب شكرهم لها، وتقديرهم لمواقفها، وجاء ذلك من خلال زياراتهم المباشرة للأراضي الفلسطينية المحتلة تارة، ومن خلال لقاءاتهم التلفزيونية والصحفية التي تمت مع مؤسسات إعلامية صهيونية خارج الأراضي الفلسطينية المحتلة تارة أخرى، وبصرف النظر عن طبيعة قناعاتهم الشخصية بتصريحاتهم الإعلامية أو عدم قناعاتهم، غير أن مواقفهم تكشف عن اندماجهم المطلق مع القوى السياسية المعادية لبلادهم، وأنهم أصبحوا شركاء حقيقيين في الحرب على بلادهم وتاريخهم، وحتى شركاء في الحرب الحقيقية على الإسلام والمسلمين، ويكشف كل ذلك عن مستويات مرتفعة من ظاهرة الاغتراب التي يعيشها الكثير من المثقفين السوريين، حيث تتجه مشاعرهم وأحاسيسهم وعواطفهم لمعالجة مشكلاتهم في أوطانهم بطريقة مشوهة وفهم مغلوط، مما جعلهم أداة حقيقية في تعميق الأزمة وإعادة إنتاجها من جديد.
ومع انتشار الرأي العام الموجة بمؤسسات إعلامية كبيرة، وبفلسفات اجتماعية عميقة ورؤى استراتيجية متكاملة، أصبحت القوى السياسية الفاعلة قادرة على أن تستقطب في مداراتها أعداد كبيرة من ضعاف النفوس وطلبة الشهرة والمال والمناصب من السوريين، وتمكنت القوى السياسية من الترويج لهؤلاء على أنهم من كبار المثقفين وقادة الراي العام، ورجال الدين، والرموز الاجتماعية في المجتمع السوري، مما مكنهم أن يصبحوا الأساس الذي تشاد عليه ولاءات اجتماعية جديدة ومتناقضة في الآن نفسه، تضعف وحدتهم، وتأخذ بمسارات تناقض مصالح بلادهم، وتهدد مجتمعهم وتشرد أطفالهم، ولأن القوى السياسية نفسها التي ترعاهم تمنعهم من أن يصبحوا قوة قادرة على أن تحل مكان الدولة، فإنهم باتوا أداة شديدة الفعالية في إنتاج الفوضى الخلاقة المخططة لبلادهم، ولم يتمكنوا من إعادة التنظيم الاجتماعي لحياة الناس، ولكنهم وجدوا أنفسهم يرددون عبارات الشكر العرفان للقوى التي صنعتهم عندما وجدوا فيها ما مكنهم من تحقيق الأطماع الذاتية المكبوتة في شخصياتهم.
ثالثا.   الأبعاد الاقتصادية والسياسية لمواقف الدول المعنية بالحرب والمسألة الأخلاقية.
يتجلى غياب الوعي الاجتماعي والسياسي لعدد كبير من المثقفين السوريين، والتي تعكس مستويات عالية حالة الاغتراب التي يعيشونها في مواقفهم التي يدافعون من خلالها على الدول المشاركة بالحرب، ويصفون مواقفها بالأبعاد الأخلاقية والإنسانية في الوقت الذي يجهلون أو يتجاهلون ما يترتب على هذه المواقف من أضرار يمكن تلمسها على أكثر من صعيد، ولا يمكن تفسيرها أبدا بالغيرة على الشعب السوري، والعمل على ضمان حقوقه، لاعتبارات أخلاقية وإنسانية، في الوقت الذي برهنت فيه الوقائع أن هذه الدول كانت مدفوعة إلى مواقفها السياسية في سياق تحالفاتها الدولية الأكبر، والتي لم تأت على حساب الشعب السوري فقد، إنما جاءت على حساب شعوبها أيضا،، ولكن بالدرجة التالية بعد الشعب السوري.
فالمسألة السورية، وكما هو معروف أرهقت الاقتصاد الوطني لكل من ايران وتركيا والسعودية وقطر وغيرها، وظهرت ملامح العجز المالي في موازنات هذه الدول مع اختلاف مستوى الأضرار الناجمة عنها، في الوقت الذي ظهرت فيه أيضا ملامح الانفراج الاقتصادي والخروج من الأزمات المالية التي تعرضت لها الولايات المتحدة الأمريكية ودول الاتحاد الأوربي قبيل فترة الأزمة، وقد شكلت أزمة الرهن العقاري في الولايات المتحدة الأمريكية نقطة تحول في رؤيتها للاقتصاد العالمي، وكذا أزمة اليورو التي مازالت تهدد الدول الأوربية إذا ما عادت الأوضاع إلى الاستقرار السياسي في المنطقة العربية، فجاءت الأزمة السورية لتسهم في تغيير المسارات وتدفع بأسعار النفط إلى أن تصبح دون مستواها الطبيعي، وتنخفض إلى أقل من 60% مما كانت عليه قبل الأزمة، وبلغ الانخفاض حوالي (70%) في كثير من الأحيان، بسبب اتساع نطاق الصراع بين الدول المنتجة للنفط نفسها بتأثير الأزمة السورية، والتي أرادت كل منها ممارسة أقصى ما تستطيع ممارسته من ضغوط حتى تجبر خصومها على الانصياع لرغباتها، مما يؤكد نفي الطابع الأخلاقي والإنساني لمواقف هذه الدول من قضايا الشعب السوري التي جعلوا منها عنوانا لمواقفهم المضللة لاستقطاب ذوي التفكير المحدود، وذوي الأطر المعرفية الضيقة من المثقفين السوريين، مما يعكس المستويات المرتفعة من ظاهرة الاغتراب التي يعيشونها.
ومن حيث النتيجة، تكبدت اقتصاديات ايران والسعودية وقطر بشكل أساسي، بالإضافة إلى غيرها خسائر مالية هائلة، ووصل العجز المالي إلى درجة أن بعض هذه الدول، وفي محاولة منها لتخفيف أعباء العجز أخذت تراهن على مستقبلها السياسي والاقتصادي فأقدمت على بيع سندات سيادية لا تمس واقعها الراهن فحسب، إنما تمس مستقبلها، وتراهن عليه للتمكن من الحاق الضرر بغيرها من الدول التي تراها معادية لها بخصوص المسألة السورية، وبسبب انخفاض أسعار النفط، (نتيجة هذا الصراع، وهو من التداعيات المباشرة، للحرب على سورية)، أدت ملامح الانفراج الاقتصادي في الولايات المتحدة الأمريكية ودول الاتحاد الأوربي، وأصبحت أزمة الرهن العقاري، وكذا أزمة اليورو بالنسبة إلى الدول المعنية بها في عداد الذكريات الأليمة التي تم تجاوزها بكفاءة عالية بعد اختلاق الفوضى الخلاقة في المنطقة العربية، وجاء تجاوزها على حساب شعوب المنطقة العربية نفسها، وعلى حساب الدول المعادية لدولة الاحتلال الإسرائيلي، والموالية لها على حد سواء، ولكن بنسب مختلفة، ومستويات متباينة.
ويضاف إلى ذلك، أن الأزمة السورية، جعلت من منطقة المشرق العربي مهيأة لكل الاحتمالات، بما في ذلك الخيارات العسكرية الأكثر خطورة، مما دفع بدولها إلى الإقدام على شراء أكبر صفقات من الأسلحة الثقيلة والحديثة المتطورة في العالم، والتي انعشت الصناعات الغربية، وجعلتها تأخذ الموقع الأول في صادراتها الصناعية والتجارية على مستوى العالم، وساهمت في تحسين معدلات النمو الاقتصادي للاقتصاديات الغربية بعد أن كانت مستقرة لفترة طويلة من الزمن ومهددة بالتراجع بسبب ضعف الطلب عليها وانتشار أزمة الركود التي كانت تعاني منها أوربا قبيل الأزمة السورية.
وبالإضافة إلى هذا وذاك فإن دولة الاحتلال الإسرائيلي لم تحظ باستقرار نفسي وسياسي واقتصادي كما هو حالها في سنوات الأزمة السورية، فكل مصادر التهديد التي كانت تشغل بال المسؤولين الصهاينة من قبل باتت اليوم منشغلة بنفسها، وتفيد تصريحات قادة دولة الاحتلال الإسرائيلي ذاتها بأن ما يحدث في سورية والعراق من تخريب للبنى الاقتصادية والاجتماعية ودمار لمؤسسات الدولة، وقتل للإنسان إنما هو بفعل التعاضد والتعاون بين دولة الاحتلال الإسرائيلي وبين قوى سياسية واجتماعية واقتصادية موالية لها في المنطقة.
وعلى الرغم من ذلك مازال العديد من السوريين يرى في مواقف هذه الدول مواقف أخلاقية وإنسانية، ومازال يرى أيضاً في الأزمة السورية مسألة دينية طائفية بين السنة والشيعة، ومازال عدد من رجال الدين يردد على منابر المساجد ما تمليه عليه دوائر الاستخبارات التابعة للولايات المتحدة الأمريكية نفسها، بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، وبمعرفة منه أو بدو معرفة من خطب وشعارات تهدف من حيث النتيجة إلى تعظيم الصراعات الداخلية، وجعلها بين السنة والشيعة لتعمي أبصار الجمهور عن الأبعاد الاقتصادية والسياسية الحقيقية للمشكلة، ولتوهم الرأي العام بأن مواقف هذه الدول من المسألة السورية إنما هي مواقف أخلاقية وإنسانية تستحق الشكر والتقدير، وهذا ما يذهب إليه العدد الكبير من المثقفين والمفكرين السوريين الذين لم يعودوا قادرين على رؤية مشكلات وطنهم إلا من خلال ما يملى عليهم من تصورات ورؤى تعزز تناقضاتهم، وتقوي مصالح الآخرين في بلادهم على حساب أبنائهم ودماء أطفالهم.
رابعا.   توجيه مشاعر المثقفين لماضيهم خدعة لتغييبهم عن المشاركة في بناء مستقبلهم.
لقد بات من المؤكد أن للدول المشاركة في الحرب على سورية، من ايران وروسيا وتركيا والسعودية وقطر والولايات المتحدة الأمريكية وصولا إلى دولة الاحتلال الإسرائيلي في فلسطين إنما تأتي من إدراكها لمصالحها الاقتصادية والسياسية المستقبلية على مستوى المنطقة العربية، وعلى مستوى العالم، وفي محاولة لمنع المثقفين السوريين من المشاركة في بناء مستقبلهم الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، ومنع العرب والمسلمين من هذه المشاركة أيضا، كان لزاما على القوى السياسية صاحبة المصلحة في هذا الصراع أن تشغلهم بماضيهم، وتثير الأزمة لدى الرأي العام على أنها صراع بين السنة والشيعة، وأن مواقف الدول المشاركة في الحرب إنما تأتي لاعتبارات إنسانية وأخلاقية ترمي إلى الدفاع عن حقوق الشعب السوري، ومن يتتبع بموضوعية تاريخ الأحداث في المنطقة العربية، يجد أن أول استخدام سياسي لتعبير "الهلال الشيعي" كان لاعتبارات سياسية، وصدر في البيت الأبيض عام  2004، خلال مؤتمر صحفي لزعيم عربي مع رئيس الولايات المتحدة الأمريكية آنذاك، وذلك بهدف صرف أنظار الرأي العام عن الاحتلال الأمريكي للعراق، وعن مفهوم "الصراع العربي الصهيوني".
 والمشكلة الأكبر أن هذه الخديعة، انطلت على أولئك الأشخاص الذين يتصفون بمجالات إدراكية ضيقة، وأطر فكرية محدودة، ولكن القوى السياسية صاحبة المصلحة جعلت منهم قادة للرأي، وزعماء سياسيين وسلطت الأضواء عليهم، فانطلت عليهم الخدعة كما انطلت عليهم من قبل خدعة الولايات المتحدة الأمريكية بخصوص أسلحة الدمار الشامل في العراق، عندما استجابوا لها، وانجرفوا في تيارها كما أرادت لهم ذلك الولايات المتحدة الأمريكية في حينها، وهم  اليوم ينجرفون مع الخديعة نفسها، ولكن بشكل جديد، ذلك أن الأطر المعرفية لمجالات تفكيرهم، ومحدودية الإدراك لديهم تمنعهم من رؤية ما وراء الحدث، مما يجعلهم يعيشون خارج عصورهم، وفي الشروط التي تمليها عليهم طبيعة الخدعة في شكلها الجديد، وقد بات من المؤكد أن هؤلاء أصبحوا يشكلون البنية الأساسية للجيش الأمريكي في تنظيمه الجديد، وأداة فاعلة في حروب الجيل الرابع التي تنفذها الولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة العربية عموما، وفي سورية بشكل خاص، ولهذا فالولايات المتحدة الأمريكية تدافع عنهم، وتمدهم بكل ما يحتاجون إليه من تقانات وأسلحة ومعلومات ونظم رصد فضائية، تمكنهم من صناعة الفوضى الخلاقة والدمار لبلادهم، ولكنها تمنعهم من القوة التي تمكنهم من تحقيق الشعارات التي استقطبوا من خلالها ضعاف النفوس من أمثالهم، وهم يوفرون لها ما عجزت عن تحقيقه مؤسستها العسكرية في تنظيمها التقليدي.

    وفي ضوء هذا التصور فإن تحليل الأزمة السورية وتفسيرها على أنها صراع داخلي بين المسلمين أنفسهم، وصراع سني شيعي، كما تروج لذلك الولايات المتحدة الأمريكية، والقوة الموالية لها في المنطقة، من خلال مؤسساتها الإعلامية المباشرة، وغير المباشرة يأتي منسجما، مع موجبات الصراع العربي الصهيوني في شكلة الجديد، لما لهذا التوجه من دور كبير الأهمية في تمكين مصادر القوة لدولة الاحتلال الإسرائيلي من جهة، ولما فيه من تفتيت لوحدة المسلمين وبعثرة لمصادر قوتهم وتشتيت شملهم وإشغالهم بماضيهم من جهة ثانية، وذلك بهدف الحيلولة دون تمكينهم من بناء الدولة بالمعنى الحديث والمعاصر، ومنعهم من المشاركة في بناء مستقبلهم الذي تتنافس حوله القوى السياسية الكبرى في العالم، وتفكر في كيفية تقاسم ثرواته الطبيعية والاستراتيجية من نفط وغاز ومعادن نفسية، وسوق تجارية ونفوذ سياسي بمعزل عن العرب أنفسهم، فمشاركة العرب في التفكير بمستقبلهم تعيق تحقيق الدول الغربية لمصالحها بالأشكال التي تتطلع إليها، ولهذا السبب من الضروري جدا إشغال العرب والمسلمين بماضيهم، ودفعهم للصراعات حول مشكلاته وتناقضاته، وفي هذه الشروط تكمن أهمية الدور السياسي للمثقفين عامة، ولرجال الدين خاصة الذين يدفعون أبناءهم للاقتتال مع بعضهم بعضا اعتقادا منهم أنهم يعملون على تطبيق أحكام الشريعة، وكأنهم على غير معرفة بأن السائر على غير هدى لا تزيده السرعة إلا ضلالا، فمن شأن تحالفاتهم المباشرة وغير المباشرة مع الأعداء التقليديين للإسلام، من دولة الاحتلال الإسرائيلي في فلسطين، إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وبريطانيا، وفرنسا وتركيا، وغيرها من الدول، لاعتبارات إنسانية وأخلاقية كما يروجوا لأنفسهم ولمواقفهم، أن يزيد من بعدهم عن أحكام الشريعة الإسلامية التي يتظاهرون بالدفاع عنها من جهة، ويجعلهم من جهة ثانية مشاركين حقيقين في الحرب على الإسلام لما يمارسونه من عمليات تشويه وتحريف لمبادئه، وتجريده من القيم الإنسانية والأخلاقية، ومشاركين حقيقيين في الحرب على شعوبهم وبلدانهم في الوقت الراهن من جهة ثالثة.

هناك تعليق واحد:

  1. قرأت المدونة ..والتفت الى أن الباحث د.احمد..يعمل على توضيح وجهة نظره مما يحدث في بلاده سوريا..مع ان الأمر اعمق بكثير من توضيح وجهة نظر..الا ان المفيد هو موضوع الولاءات..وهو موضوع بذاته يحتاج الى بسط اجتماعي ..من قبله..باعتباره موضوعة كبرى يمكن بناء على فهمها ان نقرأ الكارثة التي وقعت على رؤوس اهل المشرق العربي برمتهم وليس فقط سوريا..ونفهم شيئا اشد علمية من طرح وجهة نظر في حرب هي غاية في الكارثية..ويزيد من استعارها عدم فهم موضوعة "الولاء"

    ردحذف