الأربعاء، 2 نوفمبر 2016

هذه المدونة



تأتي مجموعة "دراسات معاصرة في علم الاجتماع" في سياق التغيرات المجتمعية الواسعة التي يشهدها المجتمع العربي المعاصر، والتي أخذت تمس البنية الأساسية لمنظومة العلاقات الاجتماعية وللمعايير الأخلاقية التي تنظم آليات التفاعل بين الأفراد والجماعات بما في ذلك دول المنظومة العربية نفسها على المستوى الرسمي، حتى باتت مظاهر التفكك والانحلال واضحة في الأنماط السلوكية ذات الطابع الرسمي للدول المشمولة في هذه المنظومة، فضلاً على انتشارها على المستوى الفردي، وصيغ التفاعل الاجتماعي بين الأفراد.
    وفي الوقت الذي كانت لمظاهر الانحلال والتفكك الأخلاقي على المستوى الرسمي آثاره المتعددة تجلت بأوضح صورة لها في قيام دولة الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين منذ عام 1948، ظهرت قوى اجتماعية وسياسية عربية رسمية وغير رسمية راحت تقيم علاقاتها مع دولة الاحتلال بمستوى أعلى من علاقاتها مع دول عربية أخرى، والمشكلة الأكثر تعقيداً والتي تحمل في مضمونها مستوى الانحلال الأخلاقي والقيمي الذي آلت إليه أوضاع المجتمع العربي اليوم الانجراف في تحالفات خارجية هدفها من حيث النتيجة تقويض دعائم المجتمع العربي والإسلامي، وتأزيم الصراعات الداخلية لصالح دولة الاحتلال الإسرائيلي في فلسطين، وفي الوقت الذي أخذت تنتشر فيه ملامح المتاجرة بالقضية الفلسطينية لتقويضها أكثر، وجعلها سلعة يتداولها السياسيون، أخذت تنتشر ايضا مظاهر المتاجرة بالدين والعقيدة الإسلامية للغايات نفسها، وإذا كانت مظاهر السلطة والثروة تدفع الكثيرين من العرب إلى الصراع والتنافس في الماضي، إلا أن الأمر لم يصل بهم إلى حد أن يتحالف بعضهم مع القوى المعادية للعروبة والإسلام ليقضي على بعضهم الآخر كما هو حالهم في الوقت الراهن، باستخدام شعارات عربية وإسلامية، مما يجسد مستوى الانحلال الأخلاقي والديني والاجتماعي الذي آل إليه المجتمع
    أما على المستوى الفردي وأنماط السلوك الشخصية، فما آلت إليه مظاهر الانحلال الاجتماعي والأخلاقي والديني ظهرت بأوضح صورة لها في مظاهر الفساد والانحراف والجريمة والمشكلات الاجتماعية والتفكك الأسري، حتى صارت المشكلات الاجتماعية تمس علاقات أفراد الأسرة مع بعضهم، كعلاقة الأبناء مع أولياء أمورهم، وعلاقات الأزواج بزوجاتهم، وعلاقات الأخوة بأخوتهم وأخواتهم.. وسرعان ما أخذت مظاهر الانحلال تمتد إلى العلاقات الاجتماعية والرسمية في بنية المؤسسات المجتمعية المختلفة، كالمدرسة والمسجد ومؤسسات العمل المتعددة، وعلاقات الجوار وغيرها، حتى فقدت هذه المؤسسات وظائفها الأساسية وأصبحت منتجة لمشكلات جديدة من نوع خاص، بعد أن فقدت العلاقات الاجتماعية مضمونها الوجداني والأخلاقي، وباتت محكومة بالمصالح النفعية المادية وغير المادية، والمباشرة منها وغير المباشرة
     ومن الطبيعي أن تزداد في مثل هذه البيئة مشكلات عديدة في المستويات المختلفة، على مستوى الفرد والأسرة والجماعة والمؤسسة وحتى على مستوى الدولة، فمشكلات الطفولة والشباب والمسنين، ومشكلات المرأة والعمل والبطالة والهجرة وتدني الدخول باتت الشغل الشاغل للمعنيين بها من أرباب الأسر ومن الشباب ومن الشرائح الاجتماعية المختلفة، ويضاف إلى ذلك مشكلات الانحراف والجريمة والإرهاب والتطرف الإسلامي التي بات يشكل المصدر الأول الذي يهدد الإسلام والمسلمين في المجتمع العربي والعالم على حد سواء، ويهدد قدرة المجتمع على تطوير ذاته، وبناء مستقبله
     وفي ضوء هذا التصور تأتي "دراسات معاصرة في علم الاجتماع" لترصد، من خلال البحث والتحليل مجموعة من المشكلات الاجتماعية التي يزداد انتشارها بقوة في المجتمع العربي، وقد تم نشر بعض دراساتها عبر قنوات نشر متعددة فيما مضى، بينما ينشر بعضها الآخر لأول مرة في موقعها الجديد، وقد تم توزيع الدراسات والبحوث المشمولة في الموقع بحسب طبيعتها، وطبيعة العمل الذي تم انجازها في سياقه، فبعضها تم نشره في مجلات علمية محكمة، وبعضها الآخر تم إنجازه بالتعاون مع مؤسسات رسمية، بالإضافة إلى مجموعة من البحوث والدراسات ذات الطابع الاستشاري، والمقالات الصحفية، والمقابلات التلفزيونية والإذاعية وغيرها
     ولا بد من الإشارة إلى أن المجال الزماني لإنتاج البحوث والدراسات والمقالات الواردة في "دراسات معاصرة في علم الاجتماع" إنما يعود إلى بداية الثمانينيات من القرن العشرين، حيث ظهرت المقالات الأولى في الصحف المحلية السورية ثم المقالات في المجلات والمجلات العلمية المتخصصة في التسعينيات والكتب والدراسات المتخصصة والاستشارات العلمية التي جاءت متتالية فيما بعد، وكذلك الحال بالنسبة إلى الندوات والمؤتمرات والملتقيات العديدة، ولهذا من الطبيعي أن يأتي مجمل الإنتاج متنوعاً في مضمونه، متعدداً في موضوعاته، وقد يتباين في تحليلاته للقضايا والمشكلات التي يأخذ بمعالجتها، وفي الوقت الذي تم فيه توثيق الكثير من المقالات والبحوث المنشورة في حينها، صعب توثيق بعضها الآخر لكونها أعدت ونشرت في ظروف لم يكن التوثيق متاحاً كما هو في الوقت الراهن، مع الإشارة أيضاً إلى أن ما ورد في هذه المجموعة لا يشمل بالضرورة كل ما تم نشره، في الماضي، فلا شك أنه هناك العديد من الدراسات المنشورة سابقاً، وغير مضمنة في هذه المجموعة بسبب عدم توثيقها آنذاك، ومنها مقابلات تلفزيونية عديدة، وبرامج إذاعية مختلفة، وليس في المقدور العودة إليها


دمشق في 27 رمضان 1437    
             2   تمــــوز 2016 


أحمد عبد العزيز الأصفر اللحام