التحالف الاستراتيجي والارتباط العضوي لـدولة الاحتلال الإسرائيلي بالاقتصاد الرأسمالي العالمي

من بداهة القول أن الاحتلال الإسرائيلي حقق جملة من الأهداف الاستراتيجية الصهيونية في فلسطين، بيد أن الوظيفة التي أداها في إطار العلاقات العربية الأوربية، والعلاقات العربية مع الولايات المتحدة الأمريكية كانت أكبر من رغبة صهيونية في التوسع، وأكبر من محاولة السيطرة الاقتصادية لإسرائيل على المنطقة، والمشكلة الحقيقية ليست في الاحتلال الإسرائيلي ذاته، بقدر ما هي في مصادر قوته، وبالعمق الاقتصادي والسياسي والاجتماعي لهذه القوة.

ولو تناولنا العلاقات الدولية المعاصرة بين الدول الرأسمالية والدول النامية لخلصنا إلى نتيجة أكدتها أدبيات علم الاجتماع والسياسية والاقتصاد منذ أكثر من قرن مضى، وتكمن هذه الحقيقة في التبادل غير المتكافئ بين الطرفين، والقائم لصالح الاقتصاد الرأسمالي العالمي. ولما كان هذا الواقع يعكس تباينا في محتويات التطور الاجتماعي، تحظى فيه الولايات المتحدة والعالم الرأسمالي بسمة التقدم، فقد اتجهت أدبيات علم الاجتماع والعلوم الاجتماعية الأخرى في هذه الدول إلى البحث والتنقيب عن تلك الوسائل التي تضمن الحفاظ عل نظام العلاقات الدولية الراهنة من خلال خلق أجهزة وأدوات تقوم بعملية امتصاص لكل عملية تراكم أولية يمكن أن تؤدي إلى تغيير كيفي ونوعي في هذه العلاقات، وكان نصيب الوطن العربي من هذه الأجهزة قيام الكيان الصهيوني في فلسطين بدعم وتمويل الرأسمال العالمي ذاته، وتبعاً لهذا التصور يمكن فهم طبيعة التحالف الاستراتيجي بين الولايات المتحدة وإسرائيل من خلال الوظيفة الحيوية التي يقوم بها هذا الكيان في المنطقة العربية، والإحصاءات أكثر قدرة على تأكيد هذه الحقيقة.

1.   الرأسمال العالمي واستثمارات الاقتصاد الإسرائيلي: 

تشير الإحصاءات الخاصة بتطور الاقتصاد الإسرائيلي إلى أن (86 %) من قيمة الاستثمارات المعتمدة في الكيان الصهيوني في الفترة الواقعة بين عامي 1950 و 1974 كانت عبارة عن قروض وهبات ومساعدات خارجية اعتمد عليها الكيان الصهيوني في استثماراته الداخلية، حيث بلغت القيمة الإجمالية لهذه الاستثمارات ما يقارب من (23,796) مليون دولار، وكان من هذا الرقم (20,501) مليون دولار إيرادات خارجية من الدول الرأسمالية الغربية، وقد توزعت هذه الأرقام حسب السنوات على الشكل الآتي:

01   في الفترة الواقعة بين عامي 1950 و 1954 بلغت قيمة الواردات الخارجية من قروض وتوظيفات أجنبية (1,270) مليون دولار، في حين بلغت قيمة الاستثمارات (1,970) مليون دولار، فكانت نسبة الواردات في الاستثمارات (69 %) تقريبا، ثم ارتفعت إلى (80 %) في الفترة التالية 1955- 1959، إذ بلغت قيمة الاستثمارات الإجمالية (2,485) مليون دولار، منها (1,990) مليون دولار ايرادات خارجية، ثم ارتفعت إلى (104 %) في الفترة 1960- 1964 حيث بلغت قيمة الاستثمارات المعتمدة (3,035) مليون دولار مقابل (3,485) مليون دولار للواردات.

02   ثم انخفضت هذه النسبة بشكل تقريبي للأعوام التالية، بينما حافظت على معدلها العام بحدود (85%) ففي الفترة 1965- 1967 بلغت قيمة الاستثمارات (2,502) مليون دولار كان منها (2,415) مليون دولار واردات من الخارج، أي نسبة (96 %)، ثم انخفضت النسبة في عام 1968 إلى (67 %)، (904 مليون للاستثمار) و (622) مليون موارد خارجية، كما انخفضت إلى (58%) عام 1969، (1,114) مليون استثمارات و(655) الف ايرادات خارجية، إلا أنها قفزت من جديد إلى (83 %) عام 1970 (1,535) مليون استثمار، و(1,292) مليون ايرادات و(82 %) عام 1971، (1,767 استثمار مقابل 1,463) مليون ايرادات، و(76%) عام 1972 (2,322) مليون دولار للاستثمار، منهم (1,774) مليون ايرادات خارجية، وأخيرا (74 %) عام 1974، حيث بلغت قيمة الاستثمارات (2,99) مليون دولار منها (2,274) مليون دولار واردات من الخارج (1).

إن الإحصاءات السابقة تشير إلى ارتباط الكيان الصهيوني بالاقتصاد الرأسمالي العالمي، فنسبة (86 %) من قيمة استثماراته الداخلية هي معونات ومنح وقروض من الخارج، ومقابل ذلك تقدم دولة الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين مجموعة من الوظائف الحيوية للاقتصاد الرأسمالي العالمي.

2. دولة الاحتلال الإسرائيلي والاقتصاد الرأسمالي العالمي:

تشير الإحصاءات المرتبطة بالعلاقات الدولية الراهنة إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية تجني من جراء العلاقات الاقتصادية والتجارية مع المنطقة العربية بما يقدر قيمة تراوح بين (5) و(9) بليون دولار سنويا(2)، فإذا كان مجموع ما قدمته الولايات المتحدة لدولة الاحتلال الإسرائيلي من منح ومساعدات وقروض بين عامي 1950 و1976 يبلغ بالتقريب (7410,9) مليون دولار(3) أي بمعدل سنوي قدره (300) مليون دولار، فإن العائدات تبرر التكاليف، كما يقال بلغة الاقتصاد، ولو رأت الولايات المتحدة أن تقوم بحماية مصالحها دون الاعتماد على إسرائيل لبلغت قيمة التكاليف نحو (3) بليون دولار سنويا(4)، مقابل (300) مليون دولار فقط تدفعها لدولة الاحتلال، وهذا يعني أن ما تجنيه الولايات المتحدة يفوق كثيرا ما تدفعه، وما تدفعه أقل بكير مما يكلفها لو اعتمدت على نفسها في حماية مصالحها، ولو جرت المقارنة بين ما تدفعه الولايات المتحدة من مساعدات وقروض مع ما تجنيه من العلاقات التجارية والاقتصادية القائمة لتجاوزت نسبة المدفوعات (5%) أو (10%) كحد أقصى (5).

كل ذلك يبرر مضمون الترابط العضوي لدولة الاحتلال الإسرائيلي بالاقتصاد الرأسمالي العالمي، وليس غريبا أن تسعى الولايات المتحدة إلى تدعيم آلتها العسكرية في المنطقة لضمان المحافظة على العلاقات الاقتصادية والتجارية السائدة من خلال امتصاص عمليات التراكم، وبدون عمليات التراكم الاقتصادي لا تستطيع شعوب المنطقة العربية أن تخلق تغييرا كيفيا ونوعيا في نظام العلاقات الاقتصادية الرأسمالية، ولا في نظام التبعية الاقتصادية المفروض عليها كنتاج لسيطرة الاقتصاد الرأسمالي على العلاقات الدولية الراهنة.


الهوامش وثبت المراجع 
1.  حبيب قهوجي، الرأسمال العالمي وتكوين الاقتصاد الإسرائيلي، مؤسسة الأرض للدراسات الفلسطينية، دمشق، 1981، ص (16) 
2.   جودت عبد الخالق، سياسة الولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة العربية: حول تكييف العلاقة بين العربي وإسرائيل وأمريكا، مجلة شؤون عربية، العدد (27)، أيار 1983، ص: (44). 
3.    حبيب قهوجي، مرجع سابق، ص: (65). 
4.    جودت عبد الخالق، مرجع سابق. 
5.    جودت عبد الخالق، مرجع سابق. 


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق