لاشك في أن مستوى الدخل الذي يعود على الأسرة يحقق لها قدراً من حاجاتها العضوية والنفسية والاجتماعية، ويسهم في توسيع الآفاق أمام أبنائها، فيوفر لهم ظروف أفضل لتعليمهم في المراحل المختلفة، كما أنه يساعدهم في تأمين مستلزمات العملية التعليمية من كتب ومراجع وقرطاسية ومعلمين خصوصيين وغير ذلك من الشروط التي تساعدهم في تحسين مستوى تحصيلهم الدراسي، ومستوى كفاءتهم، الأمر الذي قد يساعد في تفجير طاقات الأبناء، ويعزز من قدراتهم على الإبداع واكتشاف الجديد، بالإضافة إلى أن ذلك يساعد الأبناء على اختيار مجالات التعليم المفضلة بالنسبة إليهم.
وبالمقابل، فإن انخفاض مستوى المعيشة يحرم أرباب الأسر من حاجات أساسية، تبعاً لمستوى انخفاض الدخل، وانخفاض مستوى المعيشة، ويجعلهم منهمكين بأعمال متعددة، قليلة المردود، متنوعة الأوجه، الأمر الذي يعيق رؤيتهم الحقيقية، ويمنعهم من التفكير النقدي الهادئ، ويفوت عليهم فرص كثيرة للنجاح في الحياة كانت ممكنة لو أن مستوى معيشتهم كان أفضل، ولو أن دخلوهم كانت أحسن.
وبالنظر إلى أن الأسر متباينة في خصائصها المهنية والاجتماعية والثقافية، وفي قدراتها فمن الطبيعي أن تأتي مستويات معيشتها، في كثير من الأحيان، مرتبطة بشروط خارجة عن إرادتها، مع الإشارة إلى أن بعض الأسر تستطيع من خلال تضافر أبنائها أن تحقق مزيدا من الدخل، الأمر الذي يساعدها في تحقيق مستوى معيشي أفضل، غير أن هذا التحسن غالباً ما يكون بقدر لا تستطيع تجاوزه، ولهذا في محكومة بشروط ليست من اختيارها، وقد يندفع رب الأسرة أو أحد أفرادها إلى ممارسة جهود كبيرة لتجاوز الحدود التي لم تستطع الأسرة تجاوزها، ولكن دون جدوى، وقد تترتب على ذلك آثار نفسية واجتماعية ضارة بالأسرة وبكل فرد من أفرادها، وتزداد هذه الخطورة عندما يصل جهد الأسرة للحصول على مزيد من الدخل حتى بالطرق غير المشروعة التي يعاقب عليها القانون، مما يودي بهم إلى متاهات السجون في كثير من الأحيان.
وبرغم ذلك فإن انخفاض مستوى المعيشة لا يعد العامل الأكثر تأثيراً في مستقبل الأسرة، فمستويات التحصيل الدراسي للأبناء في المدارس والمؤسسات التعليمية المختلفة لاختلف كثيراً بين الفقراء والأثرياء، وربما كان بين الفقراء أفضل، الأمر الذي يعني أن ارتفاع مستوى المعيشة يوفر شروطاً ظاهرية (شكلية) تساعد الأبناء على تحسين مستوى تحصيلهم الدراسي، غير أن العامل الحقيقي في تحسين مستوى التحصيل إنما يرتبط بالأبناء أنفسهم، وبقدراتهم العقلية والفكرية، وقدرتهم على الإبداع، وغير ذلك، بدلالة أن أعداداً كبيرة من الطلبة المتفوقين ليسوا من الأسرة ذات المستوى المعيشي المرتفع، إنما هي من الأسر ذات المستوى المعيشي المنخفض، ويضاف إلى ذلك أن مظاهر الانحراف والشطط وممارسة الأفعال التي يستهجنها المجتمع وينكرها إنما تأتي من أبناء ينتسبون إلى أسر ذات مستوى معيشي مرتفع نسبياً، مما يجعل ارتفاع مستوى المعيشة في كثير من الأحيان عاملاً أساسياً من عوامل الانحراف، كما هو الحال في ظاهر تعاطي المخدرات غالية الثمن مثلاً، حيث لا يقدم عليها أبناء الأسر الفقيرة لعدم قدرتهم على ذلك، إنما هي بين أبناء الأسر الثرية، ذات المعيشي المرتفع.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق