واقع التربية الجنسية للأطفال


واقع التربية الجنسية للأطفال

          
أشرف المعهد المتوسط للخدمة الاجتماعية في مدينة دمشق على إعداد دراسة اجتماعية ميدانية لواقع التربية الجنسية للأطفال وموقف الأبوين القضايا التربوية المعنية بهذه المسألة، وجاءت الدراسة في قسمين أساسيين تناول الأول الإطار النظري للدراسة، وعالج الثاني البعد الميداني التطبيقي، وقدم البحث جملة من النتائج والتوصيات التي من شأنها مساعدة الأسرة والمدرسة في عملية التوجيه السليم للأبناء بغية إعدادهم بالشكل الذي يصبحون قادرين فيه على التفاعل بنجاح مع التحولات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي يشهدها العالم المعاصر.
         إن المسائل المتعلقة بالتربية الجنسية تأخذ موقعاً أساسياً وهاماً في عملية التربية وإعداد الأبناء، فعمليات الخلط الواسعة التي يشهدها المجتمع العربي بين الموروث والوافد جعلت المعايير الاجتماعية والقيم ومحددات السلوك، واتجاهات تربية الأبناء متضاربة في كثير من الأحيان، فما هو مستساغ بين أفراد شريحة اجتماعية محددة يعد مرفوضاً بين أفراد شريحة أخرى، وما هو مصدر فخر واعتزاز بين مجموعة اجتماعية هو مصدر استياء ونفوز بين أفراد مجموعة أخرى، ذلك أن تمثل القيم الثقافية والحضارية المستمدة من التراث العربي تختلف بين الأفراد والجماعات على نطاق واسع، كما أن القيم الوافدة ليست على درجة أقل من التباين، لهذا أصبحت معايير التفاضل متباينة ضمن المدينة الواحدة وضمن البلد الواحد.

          وتعد المسائل المتعلقة بالتربية الجنسية هي واحدة من القضايا الاجتماعية التي يأخذ فيها الناس مواقف متباينة، فمنهم من يدعو إلى ضرورة الحذر في كل معلومة تعطى للأبناء بما يناسب المراحل الزمنية لأعمارهم حتى لا يأتي نموهم مشوهاً، ولا يستجيب لحاجاتهم الحقيقية، بقدر ما يستجيب لحاجات وهمية تنمى في نفوسهم قبل آوانها. ومنهم من يدعو إلى ضرورة الانفتاح وتوجيه الأطفال توجيهاً ثقافياً وعلمياً ومعرفياً لتحرير من العقد الجنسية التي قد يقعوا فيها نتيجة جهلهم بأصول التربية الجنسية الصحيحة، ويجد أصحاب هذا الرأي في التجربة الغربية أوضح نموذج للتحرر من العقد النفسية الجنسية التي تنتشر في المجتمع العربي على نطاق واسع.


في ضوء هذه الأهمية لمسائل التربية الجنسية يأتي إشراف المعهد المتوسط على الدراسة الاجتماعية الميدانية لمسائل التربية الجنسية للأطفال. وقد انتهت الدراسة على التأكيد اقتناع الآباء والأمهات بضرورة التربية الجنسية للأطفال، وأنها جزء أساسي من التربية الاجتماعية عامة، وتكمن أهمية هذه النتيجة في كونها تنفي الاعتقادات الشائعة بأن الأبوين يمتنعان عن تربية ابنائهم تربية جنسية لاعتبارات اجتماعية ودينية مختلفة، الأمر الذي يوفر القاعدة الاجتماعية المناسبة للنهوض بعملية التربية الجنسية نهوضاً مناسباً يستمد مقوماته من اعتقاد الأسر بضرورتها من جهة، ومن التراث الحضاري للأمة العربية والشريعة الإسلامية من جهة ثانية.

           كما أثبتت الدراسة أيضاً خطأ الاعتقاد الشائع بأن الأسر أو أولياء الأمور تتجاهل مسائل التربية الجنسية، ولا توليها الاهتمام الكافي، حيث أظهر ت الدراسة أن أرباب الأسر أفادوا باهتمامهم بتربية أبنائهم، ومتابعة مراحل تنشئتهم مرحلة تلو المرحلة، ولا شك أن هذه النتيجة تأتي متوافقة مع النتيجة السابقة، وتعزز مبدأ انتشار الأساس الاجتماعي المناسب للنهوض بالتربية الجنسية على مبدأ مستمد من قبول الناس بهذه التربية ورغبتهم فيها من جهة، وبما ينسجم مع قيمهم وثقافتهم من جهة ثانية.

          غير أن الدراسة تكشف أيضاً عن غياب المنهجية التربوية الواضحة لدى المبحوثين لتقديم المعلومات الأساسية المعلقة بالتربية الجنسية، حيث لوحظ التباين في المواقف والآراء حول ما ينبغي تقديمه للطفل، وما لا ينبغي. وتكمن أهمية هذه النتيجة في كونها تدل على ضرورة وضع تصور أكثر وضوحاً لمبادئ التربية الجنسية تتم صياغته مع المعنيين بشؤون التربية والتربية الدينية والأخلاقية والاجتماعية، بالإضافة إلى المعنيين بالتربية الجنسية. فأرباب الأسر ترغب في توجيه الأبناء توجيهاً صحيحاً، ولكنها بحاجة إلى من يرشدها الإرشاد الصحيح الذي يناسب الحاجة، ويناسب الثقافة.

          وتأتي توصيات الدراسة مبنية على نتائجها، في تدعو إلى ضرورة إيجاد برامج توعية للأسر حول أهمية التربية الجنسية وكيفية ذلك، والأسس العلمية والأخلاقية التي تقوم عليها هذه التربية. وتدعو الدراسة أيضاً إلى ضرورة تطوير منهاج مدرسي متكامل يتضمن على بنية معرفية لمسائل التربية الجنسية وتأهيل المعلمين لتوضيح أسسها وقواعدها العملية والثقافية.

          إن التحديات الثقافية والحضارية التي تجابه الأمة العربية اليوم تستهدف بنيتها وثقافتها، وتكمن أهمية البحث العلمي في مقدار استجابته لهذه التحديات وتوضيح الأسس التي ينبغي اعتمادها في التصدي للتحديات الصعبة. وفي ذلك تكمن أيضاً أهمية البحث المطروح الذي أشرف على إعداده المعهد المتوسط للخدمة الاجتماعية في مدينة دمشق.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق