الاعتذار سلوك حضاري




الاعتذار سلوك اجتماعي ينطوي على معان كثيرة أهمها أنه تعبير عن احترام الفاعل للآخرين، وتقدير لما بذلوه من جهد أو عمل أو معاناة كان سبباً فيها دون أن يعود عليهم مقابل ذلك بأي نفع، وقد يكون الاعتذار عن فعل أو سلوك أوقع الأذى بهم دون وجه حق، الأمر الذي يستوجب تقديم التعويض المكافئ، إذا كان الضرر الحاصل مادياً وكبيراً، أما إذا كان الضرر معنوياً، وبسيطاً، فالحد الأدنى من التعويض هو التعويض اللفظي الذي ينطوي على الاعتراف بالخطأ من جهة، وطلب السماح من جهة أخرى.
غير أن الاعتراف بالخطأ، وتقديم الاعتذار وقف على مقدار احترام المرء لغيره من الناس بصورة عامة، ولمن اركتب بحقهم الخطأ بصورة خاصة، ويدل على أن المرء يحترم الآخرين ويعاملهم بالطريقة التي يرغب أن يعامل بها، وهو دليل وعي، وصحة نفسية عاليه، وتوافق مع الذات والآخر بصورة تعكس مستوى رفيع من الاستقرار النفسي والاجتماعي.
أما الشعور بالحرج من الاعتذار والامتناع عنه، فمرده إلى أحد اعتبارين، إما أن يكون دليلاً على عدم الثقة بالنفس، والخوف من الاعتراف بالخطأ لما قد يترتب عليه من نتائج معنوية مستقبلية، مما يدفع بالمرء إلى الهروب من الموقف والامتناع عن الاعتذار، نتيجة عدم القدرة على مجابهة الواقع، وضعف القدرة على تحمل المسوؤلية، وهذا أحد الاعتبارين.

ويأتي الاعتبار الثاني غالباً من الشعور بالفوقية، وهو بخلاف الاعتبار الأول، فالاعتداد بالنفس، والشعور بالاستعلاء، يدفع المرء في كثير من الأحيان إلى إغفال ما يمكن أن يرتكبه من أخطاء، والتقليل من أهمية الخطأ، ويقترن هذا الشعور بالتقليل من أهمية الآخر في الوقت نفسه، فالآخر بالنسبة إلى الفاعل، في هذه الحالة، لا يحظى بالتقدير الاجتماعي المكافئ الذي يوجب الاعتذار، مما يدفع بصاحب هذه الشخصية إلى أن يتفاعل مع الآخرين بطريق مختلفة، فحيث تكون حاجته إلى الآخر، وحيث يشعر بأن الآخر يفوقه اجتماعياً، يمكن عندئذ أن يقدم له الاعتذار عن أدنى خطأ، ليس احتراماً، إنما سعياً للمحافظة على مصلحة ما، وحيث تنفي الحاجة إلى الآخر تنفي أيضاً إمكانية الاعتذار لإمكانية الاستغناء، ولما كان خير الأمور أوسطها، فالاعتذار الذي ينطوي على احترام الآخر هو لا شك أفضل أنواع الاعتذار لما ينطوي عليه من استقرار نفسي واجتماعي، ولما ينطوي عليه من نضوج في الشخصية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق