العدوانية عند الأطفال

تعد ظاهر العدوانية عند الأطفال واحدة من الظواهر التي يزداد انتشارها في الوقت الراهن بالإضافة إلى كونها تأخذ أشكالاً متعددة، منها ما هو بسيط، ومنها ما هو شديد التعقيد، ومنها ما يعود إلى خصوصية الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية التي يعيشها الطفل في أسرته، ومنها ما يرتبط بالعوامل البيئية الاجتماعية الأوسع المحيطة بالطفل، وهي بصورة عامة نتيجة مجموعة كبيرة من التغيرات الاقتصادية والاجتماعية التي يشهدها المجتمع العربي في الظروف الراهنة.

من حيث المبدأ يستخدم تعبير العدوانية عند الطفل للدلالة على السلوك الذي يمارسه، ويريد من خلاله تلبية حاجة نفسية في ذاته، تتمثل في إيقاع الأذى بغيره من الأشخاص تارة، بصرف النظر عن أعمارهم، أو إيقاع الأذى بالأشياء المحيطة مادية كانت أو حيوية، دون جدوى وفائدة يمكن تلمس أبعادها.
أما أشكالها فعديدة، منها ما هو بسيط، كأن يأخذ الطفل باستخدام علبة معدنية تالفة ويضرب بها أثناء سيره، وكأنه يتعامل مع كرة قدم، غير مكترث بما يتركه سلوكه من ضجيج مزعج في نفوس الآخرين، ومنها ما يظهر في العبث بالممتلكات العامة، كإقدام الطفل على رمي مصابيح الإضاءة العامة بالحجارة وتكسيرها، أو التعدي على أشياء مماثلة لها. 
وقد يأتي السلوك العدواني بأشكال أكثر تعقيداً، كأن يقدم الطفل على ضرب من هو أقل سناً، أو أضعف بنية، دون حاجة لذلك سوى إرضائه لحاجاته النفسية الكامنة في ذاته، وقد يصبح هذا السلوك في المراحل التالية أكثر خطورة عندما يجد الطفل نفسه مدفوعاً إلى الاستعانة ببعض زملائه الذين يشاركونه ببعض الصفات لتحقيق مظاهر عدوانية أكبر تقترن بتلبية بعض الحاجات الذاتية، المادية منها والمعنوية، فيبدأ الطفل بالسلوك المنظم والتدرب عليه، كأن يدعو طفل مجموعة من زملائه للتجمع في زاوية بعيدة عن الأنظار وتعاطي التدخين مثلاً، وحث الأطفال الآخرين على ممارسة ذلك.
بصورة عامة للسلوك العدواني عدم الأطفال أشكال عديدة، ومستويات متباينة، غير أنها مرتبطة ببعضها بعضاً، وقد يكون البسيط منها مقدمة للأكثر تعقيداً في المراحل التالية، ولن يأتي السلوك العدواني الأكثر تعقيداً في المراحل التالية إلا بعد أن يكون الطفل قد أقدم على ممارسة الأبسط، لهذا فإن خطورة هذه الأنماط كبيرة بصرف النظر عن مستوى تأثيرها.
وتتنوع الأسباب التي يمكن أن تؤدي إلى انتشار هذه الظاهرة، غير أن أغلبها يعود إلى ظروف التنشئة التي يعيشها الطفل في أسرته ومحيطه الاجتماعي، وأشكال تربيته، وطرق تفاعل أسرته معه، وجملة المشكلات الاجتماعية والنفسية التي يمكن أن تجابهه، وكيفية استجابة المحيط لحاجاته الأساسية والاجتماعية والمعنوية.
 إن الطفل يحتاج إلى تلبية مجموعة من الحاجات المادية والمعنوية التي تأتي في مقدمتها حاجته إلى تأكيد مكانته الاجتماعية في أسرته وبيئته ومحيطه الاجتماعي، كما أنه يحتاج إلى تفريغ طاقاته التي قد تتحول إلى ممارسات عدائية نحو الآخرين، إذا لم تستثمر بشكل جيد وفعّال، بالإضافة إلى حاجته الملحة للأمن والاطمئنان اللذان يحققان له الاستقرار النفسي، ويتيحان له إمكانية التفاعل مع البيئة الاجتماعية المحيطة به بثقة وفاعلية إيجابية قوامها الثقافة والحوار، مما يجعله يجد في الآخرين مصدر عون له لتلبية الحاجات التي يعجز عن تحقيقها بمفرده، فيصبح أقرانه في الحي وفي المدرسة أصدقاء يستعين بهم لقضاء حاجاته التي تعجز عنها أسرته ومدرسته وأقاربه. أما في حال غياب الأمن والاطمئنان لسبب أو آخر، فليس من الغريب أن تظهر لدى الطفل رغبة قوية في التعدي على الآخرين، وممارسة العنف ضدهم، وغالباً ما يأتي هذا السلوك استجابة لا شعورية لحياة القلق والخوف والاضطراب التي يعيشها، والتي قد يكون سببها سلوك الأبوين، وضعف ثقافتهما، والصلات الاجتماعية السيئة بينهما.

وتأتي طرق التنشئة والتربية التي يمارسها كل من الأبوين تجاه الطفل لتأخذ موقعاً هاماً من مجموعة الأسباب والعوامل التي تؤدي إلى ممارسة الطفل للعدوانية، فالأب الذي يقدم على ضرب الطفل وسبه وشتمه لمجرد إقدامه على خطأ ارتكبه بقصد أو دون قصد يسهم بشكل مباشر في تعزيز قيمه العنف بوصف وسيلة من وسائل التفاعل مع الآخر في ذهن الطفل، وتتعزز هذه القيمة بأشكال السلوك التي تقدم عليها الأم أيضاً، فلا شك في أن إقدامها على هذه الممارسات تجعلها تأخذ موقع الصدارة في سلم القيم والمعايير بالنسبة إلى الطفل.

ويضاف إلى ذلك أشكال العلاقة التي تربط كل من الزوج والزوجة أيضاً، فالمشكلات الاجتماعية والمادية التي تنجم عنها مظاهر الانفعال والغضب وإقدام الزوج على ممارسة العنف ضد المرأة يعزز في تصور الطفل قيمه العنف بوصف معياراً للتفاعل مع الآخر، ومعياراً من معايير السيطرة والقوة والرجولة والشجاعة، ذلك أن الأب بالنسبة إلى الطفل مصدر قيم يستمد منه المعايير التي يستقر عليها في تفاعله مع الآخرين، وتأتي استجابة الزوجة لما يمارسه الزوج في الموقع نفسه من الأهمية، فهي تسهم على نحو مباشر في تعزيز هذه الأنماط السلوكية التي تصبح معايير يتم الرجوع إليها.

وطبيعي أن هذا النمط من التفاعل بين الزوجين رهن بمستوى وعيهما الاجتماعي والتربوي، فالأب الذي يولي أبناءه الاهتمام الكافي في أسرته يتجنب كل سلوك من شأنه أن ينتقل إلى الأبناء، فالطفل سريع التأثر بأبوبه، وكثيراً ما يتمثل قيمهما، ويتعلم أشكال سلوكهما، فإذ أقدم أحد الأبوين أو كلاهما على سلوك فيه من العنف والاعتداء على الآخرين، فمن الطبيعي أن يظهر هذا السلوك بين الأبناء رغب الآباء بذلك أم لو يرغبوا.

وبرغم أن البيئة المحيطة من رفاق الحي، وزملاء المدرسة، وأسلوب المعلم تؤثر أيضاً في أنماط السلوك التي يمارسها الطفل، غير أن دور الأسرة يأتي في المقام الأول، ويمكن للأبوين اللذين يتمتعان بمستوى جيد من الوعي الاجتماعي تجنيب الطفل الإقدام على ممارسة العدوان ضد زملائه ورفاقه وإخوته من خلال عاملين أساسيين يرتبط أولهما بتأكيد المكانة الاجتماعية للطفل والابتعاد عن أي سلوك يتصف بالعنف ضده، واللجوء إلى لغة التفاعل والحوار، والثاني تجنب أي نمط سلوكي يحمل مظاهر العدوان والعنف سواء أكان ذلك في علاقة الزوجين مع بعضهما أو في علاقتهما مع الآخرين.

كما أن تعويد الطفل على ممارسة المطالعة، وقراءة القصة يساعده في إغناء لغة الحوار عنده، فالأطفال الأكثر ميلاً نحو العدوان هم على الأغلب أقل ثروة لغوية، ولا يملكون قدرة كافية لتقديم الحجج والبراهين على أي من القضايا التي يعالجونها، بينما يعد الرصيد اللغوي أكبر بين الأطفال الأكثر ميلاً نحو التفاعل مع الآخر، ولهذا السبب فإن ممارسة العدوان والعنف بين الأطفال تكشف عن ضعف رصيدهم المعرفي واللغوي مما يجعلهم أكثر ميلاً لممارسة العدوان.
وأخيراً لا بد من تعزيز صورة الآخر في دائرة الإحساس عند كل طفل بأن كمال المعرفة التي يمكن بلوغها بالنسبة إلى كل إنسان إنما يأتي من خلال التفاعل مع الآخرين، وليس من خلال الصراع والتناحر معهم، فالإنسان يولد وهو جزء من كل، ويبحث عن كماله في أخوته وأصدقائه وزملائه، وإذا لم يجد كماله من خلال التعاون معهم فليس من المتوقع أن يجد هذا الكمال في العدوان عليهم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق