اتجاهات الشباب نحو تعاطي المخدرات


والتدخل الاجتماعي للحد من عملية التعاطي

تعد اتجاهات الشباب نحو تعاطي المخدرات والمؤثرات العقلية بمثابة الأساس الاجتماعي الذي يوفر إمكانية انتشار الظاهرة بينهم على نطاق واسع تبعاً لدرجة القوة في الاتجاهات المؤدية للتعاطي أو المعارضة له، ذلك أن تبرير التعاطي في ظروف اجتماعية محددة، وانتشار مشاعر الموافقة على ممارسته عند الأزمات والمشكلات التي تعترض حياة الشباب تجعل التعاطي ممكنا عندما تتوفر الشروط الاجتماعية المناسبة له، بينما تؤدي الاتجاهات السلبية نحوه دوراً إيجابيا في عملية التحصين النفسي والاجتماعي للشباب، وتحول دون انجرافهم في عملية التعاطي حتى مع انتشار عوامله على مستوى الأقارب أو الأصدقاء، سواء أكان ذلك في محيط الحي أو المدرسة، وإذا ما تعرض أي من الشباب إلى التضليل والتورط في عملية التعاطي من حيث لا يدري، بفعل بعض الأصدقاء أو الأقارب ممن لهم صلة بعملية الترويج، فإن اتجاهاته نحو التعاطي، والقيم الاجتماعية التي تعزز ارتباطه بالأسرة والمجتمع تعيد به إلى جادة الصواب، وتجعله يحتمي بالرموز الاجتماعية التي يعتمد عليها، ويرتبط بها ارتباطا وثيقاً، كارتباطه بولي الأمر، أو إمام المسجد، أو معلم المدرسة، أو غيرهم.
وفي الوقت الذي تشكل فيه دراسة اتجاهات الشباب نحو تعاطي المخدرات مدخلاً لتحليل قدرة الظاهرة على الانتشار في الوسط الاجتماعي، فإن العمل على تغيير الاتجاهات يعد مدخلاً أساسياً من مداخل وقاية الشباب وحمايتهم من عملية التعاطي، خاصة مع صعوبة تغيير الواقع الاقتصادي والاجتماعي الذي يعيشه الشباب في ظروف مختلفة، وبيئات متنوعة، إذ تشكل عملية تغيير الاتجاهات واحدة من العوامل الذي تساعد في تمكين الشباب من التفاعل مع الظروف الصعبة التي يعيشونها، وإذا كان إيجاد الظروف الاجتماعية والاقتصادية النموذجية التي تحمي الأفراد من التعاطي هو ضرب من المستحيل، فإن العمل على تغيير اتجاهاتهم، وطرق تفاعلهم مع الواقع الذي يعيشونه يعد أمراً ممكنا للغاية، مقارنة مع تغيير الوقائع، فقد يعاني بعضهم من فقدان أحد الوالدين مثلاً في ظروف طارئة وغير متوقعة، مما يجعله يعيش مرحلة من الاضطراب وعدم الاستقرار على المستويين النفسي والاجتماعي، وقد تكون هذه المرحلة سببا لاندفاعه نحو التعاطي، وفي مثل هذه الحالات لا يمكن التفكير بإصلاح الظروف التي دفعته للانجراف في عملية التعاطي، إنما يصار إلى تغيير اتجاهاته نحو الظروف التي يعيشها، وتمكينه من التفاعل معها على ما فيها من صعوبات وتحديات تسبب له القلق والاضطراب وعدم التوازن، ومع تغيير اتجاهاته نحو الظروف المحيطة به، قد يتمكن من تجاوز الكثير من المشكلات التي تؤثر في حياته، غير أن قدرته على تجاوز مشكلاته ترتبط مرة أخرى بطبيعة الاتجاهات الجديدة التي اكتسبها.
أ.      اتجاهات الشباب نحو تعاطي المخدرات واحتمالات انتشار الظاهرة في الوسط الاجتماعي:
يرتبط انتشار ظاهرة تعاطي المخدرات في الوسط الاجتماعي بمقدار تقبل المجتمع لها، وبانتشار مشاعر الموافقة على ممارستها في ظروف اجتماعية خاصة، فقد تجد عملية التعاطي ما يسوغ الإقبال عليها في الوسط الطلابي خلال فترات التحضير للاختبارات السنوية أو الفصلية، أو ما يسوغ استخدامها بين شرائح عديدة من الشباب إذا ما تعرضوا لصعوبات حياتية مختلفة تتصل بظروف العمل أو بمشكلات الأسرة أو غيرها، وقد يلجأ بعضهم إلى تسويغ التعاطي في حالات استثنائية تترتب عليها نتائج كبير فيما بعد، كما هو الحال في المباريات الرياضية الوطنية، أو الإقليمية، أو الدولية، أو عندما يجد بعض الفنانين أنفسهم مدفوعين للظهور أمام حشود كبيرة من الناس، ويشعرون بأن تعاطي القليل من المخدرات يمكن أن يمكنهم من تقديم الحفلات الغنائية والموسيقية بدرجات عالية من الإبداع والنجاح.
والأمثلة على تسويغ الشباب لعملية التعاطي كثيرة جداً، وبالقدر الذي تكون فيه عمليات التسويغ واسعة بقدر ما يدل ذلك على أن الاتجاهات نحو التعاطي باتت مؤيدة، ويدل على أن الوسط الاجتماعي قابلاً لأن تنتشر فيه ظاهر التعاطي بقوة، بينما يدل انتشار الاتجاهات المعارضة للتعاطي، ورفض تسويغ أية عملية تعاطي على أن الوسط الاجتماعي غير قابل لأن تنتشر فيه الظاهرة، وأن انتشار ها يأتي محدودا للغاية، بحكم رفض المجتمع لها، وعدم تقبل الأبناء لمظاهرها.
غير أن الوسط الاجتماعي لا يمكن أن يكون قابلاً لانتشار الظاهرة بالمطلق، ولا رافضاً لها بالمطلق، إذ يتخذ موقعا بين الموقعين، يقترب من أحدهما تارة، أو من الآخر تارة أخرى، بحسب طبيعة البنية الاجتماعية السائدة ومنظومة العلاقات بين الأفراد والجماعات، بالإضافة إلى طبيعة القيم الاجتماعية الضابطة لعملية التوازن بين حقوق الفرد وواجباته في بنية التنظيم الاجتماعي.
وبذلك فإن عملية التعاطي، ودرجة انتشار الظاهرة في المجتمع إنما يرتبط بمجموعتين أساسيتين من العوامل، وهما متداخلتان في الوقت نفسه، ترتبط الأولى بالعوامل الدافعة للانتشار، وهي العوامل المتمثلة بقوة التنظيم غير الرسمي الذي يعمل جلب المخدرات من الخارج، والذي تساهم به شبكات متطورة تنظيميا، ويستخدم تقنيات عالية، ربما تفتقر إليها دول كثيرة من دول العالم الثالث، ومن ثم قدرة هذه الشبكات على القيام بعمليات الترويج والتسويق على مستوى الدولة برمتها، وتتصل المجموعة الثانية بخصائص الوسط الاجتماعي المتمثلة بجملة العوامل النفسية والاجتماعية السائدة، والتي تحدد أيضاً مقدار التماسك العضوي بين مكونات الوسط ودرجة الترابط بينها، والتي تجسدها بصوة عامة طبيعة الاتجاهات السائدة نحو عملية التعاطي، والإقدام على ممارسته.
ب.      تغيير اتجاهات الشباب نحو عملية التعاطي والوقاية منه:
على الرغم من أن عملية تعاطي المخدرات ترتبط ارتباطا وثيقاً بالشروط الاجتماعية والاقتصادية التي يعيشها الشباب في المجتمع، غير أن هؤلاء لا يمكن أن يقدموا على تعاطي المخدرات إلا بعد سيطرتها على وعيهم ومشاعرهم وأحاسيسهم، حتى تصبح المخدرات مقبولة بالنسبة إلى كل منهم، وتصبح الاتجاهات السائدة نحوها قائمة على قبولها وتسويغ استخدامها في الوسط الاجتماعي، وفي الوقت الذي يساعد فيه تغيير اتجاهات الشباب نحو تعاطي المخدرات عاملاً أساسيا من عوامل حمايتهم وتحصينهم قبل انجرافهم في عملية التعاطي، فإن تغيير اتجاهاتهم يساعد في معالجة المدمنين منهم ممن تورطوا بالتعاطي على معرفة أو غير معرفة، فمن شأن إكسابهم الاتجاهات السلمية نحو عملية التعاطي أن تمكنهم من التفاعل مع الظاهرة بكفاءة أعلى وقدرة أوسع، حتى مع صعوبة الظروف الاجتماعية المحيطة بهم، التي دفعت بعضهم فيما سبق من حياتهم إلى اتخاذ مواقف إيجابية مؤيدة للتعاطي، أو دفعت بعضهم الآخر إلى التعاطي نفسه.
وينطوي تغيير الاتجاهات على بعدين أساسيين، أولها البعد الوجداني المتمثل في المشاعر والعواطف والمواقف التي يتخذها الشاب من عملية التعاطي، وتراوح بين التأييد المطلق، والرفض المطلق، وما بينهما، فقد تأتي مشاعر بعضهم على توافق مع عملية التعاطي لما تحمله في مضمونها من أسباب النجاح والتفوق المهني والعلمي والاجتماعي، وتجعل الشاب يستحوذ على المكانة الاجتماعية التي يتطلع إليها، وقد يساعد على انتشار المواقف المؤيدة للتعاطي وجود شخصيات اجتماعية سبق لها أن حققت نجاحات مميزة في حياتها بسبب إقدامها على التعاطي كما هو الحال بالنسبة إلى بعض الفنانين والرياضيين وشخصيات أخرى، مما يدفع الشباب إلى جعل هؤلاء نماذج للاقتداء، فتتكون لديهم المشاعر المؤيدة والعواطف الإيجابية نحو عملية التعاطي.
ويتمثل البعد الثاني بالجانب المعرفي الذي يتضمن معرفة الشاب بأنواع المخدرات الأكثر انتشار في الوسط الاجتماعي، من حيث النوع والحجم وأماكن الانتشار، وطبيعة تأثير كل منها في شخصية الفاعلين، ومناسبة بعضها لنشاطات اجتماعية محددة دون غيرها، وبرغم أن جزءا كبيراً من هذه المعارف يمكن أن تكون مضللة، وغايتها عملية الترويج بشكل أساسي، وينميها في وعي الشباب أصحاب المصلحة في عملية الترويج، تبعا لما هو منتشر من أنواع للمخدرات في الوسط الاجتماعي المعني، غير أن هذه المعارف تتصف باليقين بالنسبة إلى الشباب وتدفعهم إلى اختيار الأنواع المناسبة لطموحاتهم، تبعا لقدراتهم المادية والمالية التي تسمح لهم بذلك.
ويرتبط البعدان مع بعضهما ارتباطا وثيقا، مما يجعلهما يعززان الاتجاه نحو التعاطي في وعي الشباب، ولكن هذا الارتباط قد يبدو غير  واضح في كثير من الحالات، كما هو الحال بالنسبة إلى العاملين في مكافحة المخدرات، فقد يكون الواحد منهم على معرفة واسعة بكل أنواع المخدرات وطرق استخدامها، ومناسبة أي منها لأنماط التفوق الذي تسببه، وغير ذلك من المعلومات التي لا يعرفها عن المخدرات حتى المتعاطين أنفسهم، وعلى الرغم من ذلك فهو لا يتعاطى أي منها، والسبب في ذلك أن الإطار المعرفي بالنسبة إلى هؤلاء غالباً ما يعتمد على عنصرين هما المعرفة الشمولية والمصداقية، الأمر الذي يساعد في تحصين العاملين على المكافحة وحمايتهم، بينما تأتي معلومات الشباب المرتبطة بالمخدرات مضللة من جهة لكونها نتاج لعملية الترويج، ولا تتمتع بالمصداقية المناسبة، كما أنها مجتزأة من سياقاتها الطبيعية، وغير مكتملة مما يجعل هذه المعرفة منقوصة معرفياً، ولهذا ترتبط بسلوك منحرف.
وما اكتمال الاتجاه ببعديه الوجداني والمعرفي يصبح الشاب مؤهلاً للتعاطي بدرجة كبيرة تبعاً لمستوى تشبعه بالبعدين المشار إليهما، غير أن شروط الواقع الاقتصادي والاجتماعي والقيمي هي التي تجعل الإقبال على التعاطي محققاً أو غير محقق، فقد يجد الشاب نفسه يرغب بالتعاطي، ولديه المعرفة التي تؤهله للتعاطي غير  أن البيئة الاجتماعية والظروف المحيطة تحول بينه وبين عملية التعاطي نفسها، كما هو حال الأوربي المقيم في دولة إسلامية تمنع تعاطي الكحول مثلاً، فمشاعره وعواطفه تتشوق للتعاطي، وهو يعرف أنواعه وأشكاله، غير أن الشروط المحيطة به تحول بينه وبين عملية التعاطي كليا، مما يجعل السلوك غير محقق بالفعل.


إن عملية التعاطي، وفق هذا التصور، تأتي نتاجا لتفاعل الاتجاه نحو عملية التعاطي نفسها، بمكونيه الوجداني والمعرفي، مع الشروط الاجتماعية المحيطة بالفاعل، وبالتالي فإن الحد من عملية التعاطي يوجب التدخل في أحد العاملين المؤثرين في السلوك على الأقل، إما التدخل في تغيير الواقع الاجتماعي والاقتصادي الذي يعيشه الفاعل، أو التدخل لتغيير اتجاهاته نحو عملية التعاطي، ولما كانت عملية التدخل في تغيير الوقائع عسيرة في كثير من الأحيان، فإن تغيير الاتجاهات يبقى الحل الأفضل في مثل هذه الشروط.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق